Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
20 mai 2015 3 20 /05 /mai /2015 10:17

 

أي دور للرأسمال الوطني في التنمية و العدالة الاجتماعية ؟

محمد المناعي

أعاد موضوع اصلاح المنظومة الجبائية ، و التوتر الأخير بين الاتحاد العام التونسي للشغل و منظمة الأعراف، قضية رجال الأعمال ودورهم الوطني في دفع الاستثمار و اخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية الراهنة و القيام بالدور الاجتماعي للرأس المال الوطني ، خاصة و أن الملف المطروح حاليا هو المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص و تحسين المقدرة الشرائية للعاملات و العمال ، في نفس الوقت ايجاد أرضية من السلم الاجتماعي تقضي على عقلية التواكل وتدعم الانتاجية وتعطي للمستثمر الدور الذي يجب أن يقوم به كطرف فاعل في مراجعة منوال التنمية و اصلاح المنظومة الجبائية و تشريعات الاستثمار و تحقيق التنمية الشاملة و العادلة .

يتم تناول دور الاستثمار الخاص الوطني و الأجنبي في غالب الأحيان من زاوية ضيقة تغلب عليها النظرة الربحية للاستثمار و يغيب عنها البعد الانساني و الاجتماعي و الوطني وهو الهدف الجوهري لكل فعل اقتصادي تقوم به الدولة أو الأفراد ، هذه النظرة الربحية تعتبر أن الاستثمار هدفا في حد ذاته ويترتب عن ذلك دعوات من جهات مختلفة يردد بعضها العامة دون وعي ودون فهم لحقيقة تشعب الموضوع ، هذه الدعوات تقايض الاستثمار بتوفير الأمن و البنية التحتية و التجهيزات الضرورية ، تقايض الاستثمار بتجريم الحراك الاجتماعي و ضرب الحق النقابي ، تقايض الاستثمار بالتهرب الضريبي و بالتنصل من المسؤولية في عدة قضايا متعلقة برجال أعمال في ذمتهم اجراءات تحجير سفر و غيرها ، كما تقايض دور رجال الاعمال في التنمية بسلوك سياسة التفويت في المؤسسات العمومية و الخصخصة و تعديل القوانين الشغلية و مجلة الاستثمار بما يخدم مصلحة الباعث و المستثمر دون غيره .

والحال أن الاستثمار و الدور الذي يجب أن يلعبه رجال الأعمال في هذه الفترة من تاريخ تونس هو المشاركة بفعالية في انتشال الاقتصاد الوطني من الأزمة التي تردى فيها و التضحية بجانب من الربح خدمة للاستقرار الاجتماعي و خلق الثروة التي ستعود بالايجاب على مناخ الاستثمار مستقبلا ، هذه المرحلة التي تتطلب تفعيل العقد الأجتماعي بين الأطراف المتداخلة الثلاثة الاتحاد العام التونسي للشغل و الحكومة و الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية كشركاء لا كخصوم على قاعدة صلبة لا كما هو الحال في الوقت الراهن ، من أجل أن توضع كل المسائل العالقة على طاولة الحوار و تفض بعيدا عن التوتر الاجتماعي في الشارع و في مؤسسات الانتاج .

ومن بين الملفات العاجلة التي على هذه الأطراف حسمها هو ملف الزيادة في أجور القطاع الخاص حيث تحولت شريحة واسعة من العمال في هذا القطاع الى ما دون خط الفقر بفعل التهاب الأسعار و جمود الأجور، في ظل وضع محكوم  بنظرة تقليدية للزيادة في الأجورواعتبارها مقلصا لهامش الربح و الحال أن دعم الأجور يساهم في انتعاش الاقتصاد ودعم الاستهلاك و بالتالي الانتاج و يعود نفعا على المستثمر ذاته ، اضافة الى طرح و بجدية ملف التشغيل الهش الذي ينخر الاقتصاد التونسي و يعرض ألاف العمال الى الاضطرابات الحاصلة في السوق و يحول دون استقرار وضعهم الشغلي و الحصول على أدنى الحقوق ، و لا يمكن الحفاظ على السلم الاجتماعي داخل المؤسسة دون ضمان الحق النقابي الذي يتم ضربه في عدة مؤسسات صناعية و تغييبه نهائيا في مؤسسات فلاحية و حرفية مما يفتح الباب أمام الاحتجاج العشوائي غير المؤطر و غير المنظم في غياب طرف نقابي محاور و مفاوض يمكن أن يتعطل الانتاج الى آجال غير محددة تعود بالسلب على صاحب المؤسسة و على العمال أنفسهم وهو ما يتكرر يوميا في مؤسسات تم فيها ضرب العمل النقابي فوقعت ضحية الاحتجاجات غير المؤطرة .

مراجعة التشريعات أمرا ضروريا خاصة مجلة الاستثمار و التي بقدر ما يجب أن تقدم امتيازات و حوافز للرأسمال الوطني و الأجنبي بقدر ما يجب أن تضع الجانب الاجتماعي بوصلة لكل التعديلات و التشريعات وخاصة مسألة اعطاء الأولوية للاستثمار في المناطق الداخلية و الحدودية و حقوق العمال المادية و المعنوية اضافة الى حماية البيئة و الثروات الوطنية ، فلا معنى لاستثمار يساهم في تكديس الثروة في جهة دون أخرى و يعمق الاختلال بين الأقاليم و الجهات و ما ينجر عنه من اختلال في التنمية و في فرص العمل و في استقرار السكان و في دعم التجهيزات و البنى التحتية بالمناطق المهمشة لذلك فان اتجاه التشجيعات و الحوافز يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الجهات الداخلية و المناطق ذات الأولوية في رؤية تنموية شاملة و مستدامة .

التشجيع على الاستثمار لا يجب أن يكون على حساب العمل الائق ، فالهدف الربحي يجب أن يتوافق مع الهدف الاجتماعي من الاستثمار بتوفير وضعية شغلية واضحة و ثابتة للعمال و الاطارات والاعتماد على الكفاءات الوطنية ودعم المجهود الوطني للحد من بطالة حاملي الشهادات العليا و ضمان التغطية الاجتماعية و السلامة المهنية و الزيادة الدورية في الاجور بما يحافظ على السلم الاجتماعي و سلوك سياسة شراكة و حوار مع الطرف النقابي داخل المؤسسة و اعتباره شريكا في النهوض بالانتاج و تأطير العمال و تكوينهم و رسكلتهم و الرفع من قدراتهم الانتاجية .

الاستثمار الخاص يلتزم ضرورة بالبعد المستدام للتنمية و خاصة بالمحافظة على الثروات الطبيعية و الحد من التلوث المائي و الهوائي الذي أصبح يمثل في بعض المناطق كارثة بيئية على غرار خليج قابس و الحوض المنجمي و المناطق الصناعية برادس وغيرها مما يحتم على المستثمر المساهمة في المجهود الوطني لحماية البيئة و بالأخص الحفاظ على الثروة المائية و التربة و الثروات الباطنية التي تتعرض للاستنزاف في غياب قوانين رادعة و حامية لنصيب الأجيال القادمة .

لا شك أن لرجال الأعمال دور محوري في اصلاح المنظومة الجبائية ،فتناول موضوع التهرب الضريبي الذي مثل مصدر قلق لمنظمة الأعراف في الفترة الأخيرة هو تناول لموضوع ظل مسكوتا عنه أو فتح بأصوات خافتة ، لكن الوقت حان لطرح هذا الملف بجدية و تعديل القوانين المنظمة للجباية و فرض ضريبة تصاعدية تأخذ بعين الاعتبار هامش الربح للمستثمر و في نفس الوقت تدعم مساهمة رجال الأعمال في المداخيل العمومية حيث لا يزال القطاع العام و الوظيفة العمومية و الأجراء الدافع الرئيسي للضرائب مع استشراء التهرب و التحايل الضريبي و الاعفاءات غير المبررة من الضرائب ، التي بدونها لا يمكن للمجموعة الوطنية تشجيع الاستثمار بتحسين البنى التحتية و التجهيزات التي ستعود بالايجاب على المستثمر أولا و على المواطن فضلا عن فرض ضريبة على الثروة تحد من الفوارق الاجتماعية و توجه لإنعاش الاقتصاد و تدعم دور الدولة كقاطرة للتنمية خاصة في الجهات الداخلية .

ان فتح ملف رجال الأعمال الممنوعين من السفر و الذين تتعلق بذمتهم قضايا عدلية أمر ضروري و مستعجل لإخراج هذه القضية من المزايدة السياسية بين موقف السلطة الرسمية و خاصة رئاسة الجمهورية التي تروج للموضوع و كأن الاستثمار تعطل بسبب هؤلاء و بأن مفتاح الفرج للاقتصاد التونسي يكون عبر ما سمي بالمصالحة و اغلاق الملف دون محاسبة ، أو موقف أخر يجعل من هؤلاء كبش فداء لنظام كان ينخره الفساد و الرشوة و نهب المال العام ولم يكونوا سوى حلقة من حلقاته ، لذلك فالأسلم لا مصالحة مغشوشة و لا تشفي بل التسريع في احالة هذه الملفات على القضاء و الحسم فيها ليعود هؤلاء من جديد للدورة الاقتصادية و الاتجاه نحو العقوبات المالية التي تعود بالنفع على الاقتصاد.

لا يمكن أن يطرح ملف الاستثمار و دور الرأسمال الوطني في الاقتصاد بمعزل عن منوال تنموي بأكمله في حاجة الى المراجعة لاعادة ترتيب الأدوار وايلاء البعد الاجتماعي المكانة الأولى في كل معالجة و مراجعة سواء لمجلة الاستثمار و القوانين المنظمة أو لموضوع الباعثين الشبان و دور القطاع الخاص في الحد من البطالة ، وخاصة في مسألة اصلاح المنظومة الجبائية و معالجة ملف التهريب و الاقتصاد غير المنظم وغيرها من الملفات مما يجعل من المستثمر شريكا في النهوض بالوضع الاجتماعي و شريكا في التضحية الى جانب العمال وشريكا للدولة في خلق الثروة و بعث منوال تنموي عادل وشامل ومستدام . 

2015كتب 6 ماي

 نشر بجريدة الطريق الجديد 9 ماي 2015

Partager cet article
Repost0

commentaires

Présentation استقبال

  • : Manai Mohamed
  • : مدونة فكرية منفتحة على الواقع اليومي المعاش ... من أجل ثقافة أكثر عقلانية
  • Contact

Recherche بحث

Liens روابط