Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
2 juin 2015 2 02 /06 /juin /2015 12:45
الدبلوماسية التونسية في مهب الريح : ارتجال  على خطى الترويكا

 

بقلم : محمد المناعي

فرضت الظرفية الوطنية و الاقليمية على البلاد التونسية واقعا جديدا يتطلب حذرا شديدا في التعاطي معه و في نفس الوقت سرعة و نجاعة لمواكبة التغيرات المتسارعة في محيط تحكمه الصراعات المتفجرة و تداخل مصالح القوى الكبرى و القوى الاقليمية و يحكمه تهديد الارهاب العابر للأقطار و الذي يتحرك بحرية غير بعيد عن حدودنا . الدبلوماسية التونسية تتفاعل مع هذه الأحداث و المتغيرات بردود فعل متأخرة أو بمجازفات متسرّعة و بارتجال وعدم تناسق مما هدد و لا يزال المصالح الوطنية وأمن التونسيين بالخارج في مواصلة للنهج الذي سلكته حكومة الترويكا مما فوت على تونس فرصة القيام بدور محوري في المنطقة يعزز الاستقرار في دول الجوار ويخدم المصالح العليا للشعب التونسي .

لم تكن التصريحات المنفلتة لبعض المسؤولين في الحكومة و خاصة وزير الخارجية و رئيس الجمهورية سوى الحلقة الأضعف من مؤشرات الفشل الدبلوماسي ، ذلك أن التركيبة السياسية للاتلاف الحاكم و امتدادات كل طرف على مستوى اقليمي و دولي خلقا نسيجا غير متناسق من العلاقات ورؤى مختلفة لحلفاء تونس و شركائها، فالامتداد الاقليمي لحركة النهضة وارتباطها بالمحور التركي القطري الاخواني الذي يغذي التمرّد في سوريا و يمول جانب هاما من الجماعات المسلحة الاسلامية في ليبيا ويناهض النظامين السوري و المصري ، يختلف عن شبكة علاقات حزب نداء تونس وزعيمه ويصل أحيانا حد التناقض لتقع الدبلوماسية التونسية في مأزق الترضيات الداخلية قبل اتخاذ أي قرار له علاقة بالسياسة الخارجية .

التعاطي مع الملف السوري لا يزال محل تردد بعد ثلاث سنوات من قرار حكومة الترويكا قطع العلاقات مع الدولة السورية و احتضان و دعم التنظيمات المتمردة و الميليشيات المتطرفة و المسلحة التي تقاتل الجيش النظامي السوري و التي أفرزت من بين ما أفرزت تنظيم داعش و القاعدة و محاضن أخرى لتدريب و احتضان و تفريخ الارهابيين و تصديرهم للدول المجاورة و لبلدهم الاصلي و قد نالت تونس نصيبها من هذه الجماعات ارهابا و تقتيلا و لا يزال ملف عودتهم يطرح اشكالا أمنيا مرعبا .

ورغم انكشاف أمر المؤامرة الاقليمية التي تحاك ضد وحدة الدولة السورية لا تزال أطرافا مشاركة في الحكومة التونسية تصف الاقتتال ب "الثورة "وتتردد في اعادة العلاقات الدبلوماسية بما يضمن مصالح التونسيين في سوريا و مصالح الجالية السورية في تونس وخاصة التعاون الامني للحيلولة دون عودة الجماعات التكفيرية الارهابية الى تونس بعد أن تمرست على القتال و حرب العصابات. هذا الواقع لا يزال يلح على الدبلوماسية التونسية المترددة لاتخاذ القرار الجريء بربط علاقات طبيعية مع الشقيقة سوريا بل و الدفع على مستوى دولي لايجاد مخرج سلمي للازمة التي ذهب ضحيتها الشعب دون غيره.

الملف الليبي بدوره يعرف تطورات مستمرة بقيت الخارجية التونسية مكتوفة الأيدي ازاء أحداث طارئة مست مصالح المواطنين التونسيين و لعل أشهرها ملف اختطاف الصحفيين سفيان الشورابي و نذير القطاري و البرود في التعاطي مع العملية الى حين تكثف ضغط المجتمع المدني ورغم ذلك لا يزال الغموض يكتنف مصيرهما في ظل تضارب التصريحات و عجز الدبلوماسية التونسية على كشف الحقيقة يضاف لها مؤخرا اعتقال عشرات المواطنين التونسيين الأبرياء من طرف كتيبة " الصواريخ" التابعة لقوات لفجر ليبيا الاسلامية حليفة أنصار الشريعة و المدعومة من قطر و تركيا و من بعض الاجنحة داخل الائتلاف الحاكم..

الدور التونسي في ليبيا عرف اضطرابا و ارتجالا و تغييرا متواصلا ، من تصريح الباجي قايد السبسي ابان الحملة الانتخابية و الذي مفاده عدم تدخل تونس في الشان الداخلي الليبي مادامت الاطراف تحتكم الى الرصاص ..الى التصريح الأخير الذي أحدث بلبلة بين الأطراف الليبية المتنازعة و الذي غيرت فيه تونس اعترافها من اعتراف حصري لمجموعة الكرامة أو ما يسمى بحكومة طبرق التي تسيطر على المنطقة الشرقية و المعترف بها دوليا و المدعومة من النظام المصري و الجزائري ، الى التعامل مع قوات فجر ليبيا الاسلامية التي تسيطر على المنطقة الغربية المتاخمة للحدود التونسية الجنوبية و حليفة أنصار الشريعة المصنفة تنظيما ارهابيا في تونس و المكونة من جماعات اخوانية مصنفة تنظيمات ارهابية في مصر و التي رغم فك ارتباطها نظريا مع الجماعات التكفيرية الا أنها لا تزال السند الأساسي لها على غرار " مجلس شورى ثوار بنغازي " التي تقاتل الحكومة " الشرعية" و " مجلس شورى مجاهدي درنة " و " أنصار الشريعة " و " تنظيم شباب شورى الاسلام " و غيرها من الجماعات المتطرفة التكفيرية الوافدة من سوريا و العراق و تونس ... التعامل التونسي بلغ حد استقبال رئيس الجمهورية لممثل عن هذا التنظيم و تصريحه بأن تونس ليس لها علاقات نهائية مع اي طرف وذلك بتعلة سيطرة فجر ليبيا على المناطق الحدودية و اجبارية التعامل الاقتصادي و الامني معها ، و بمبرر محاولة تونس لعب دور في الحوار الوطني الليبي أحد الملفات الرئيسية في زيارة السبسي الى الولايات المتحدة مؤخرا ...هذا التعاطي لم يكن محسوب العواقب حيث سعى كل طرف من الاطراف المتنازعة للضغط على تونس بحثا عن اعتراف يدعم تواجدها في التوافقات القادمة في حين اختارت الجماعات المتطرفة مقاطعة اي حوار لتكون ورقة ضغط غير مباشرة للشق الاسلامي في النزاع.

الدبلوماسية التونسية عليها التعامل مع الأزمة الليبية بما يضمن مصالح التونسيين في ليبيا و أمن الجنوب التونسي و بما يدعم التنسيق الرسمي في علاقة بأكثر من مليون ليبي على التراب الوطني لكن أيضا بما يضمن لتونس موطئ قدم في اعادة بناء الدولة و الاقتصاد الليبي بعد انفراج الأوضاع و الذي سينعكس ايجابا على وضعنا الاقتصادي مع مراعاة التوازنات الاقليمية، لذلك فالأولوية في اسناد القوى المدنية والحكومة الشرعية المدعومة من الجارتين الأكبر و التي لها أفق تطوير سيطرتها على التراب الليبي خاصة في ظل هيمنة قبلية على الجنوب و اختراقات و ارتباك في الأداء السياسي لفجر ليبيا الاسلامي .

وفي علاقة بالأزمة اليمنية رغم أنها لم تلقي بضلالها على الوضع السياسي التونسي بشكل مباشر الا أن الموقف التونسي الداعم للعدوان السعودي العربي على الشعب اليمني و الزج بتونس في صراع اقليمي محوره ايران و السعودية و الولايات المتحدة الامريكية في الوقت الذي كان من المفروض الانحياز للوحدة الوطنية اليمنية و تغليب منطق الحوار بين المكونات السياسية و العسكرية المتنازعة على السلطة و تجنيب الشعب اليمني ويلات حرب كان ضحيتها ألاف المدنيين وعمقت الازمة و دفعت بمشروع تقسيم اليمن أشواطا و انحرفت بالنزاع الى منحى طائفي لا مصلحة لتونس و لا للشعب التونسي في الانحياز مع طرف ضد آخر .

من خلال ما سبق يبدو أن الدبلوماسية التونسية في تناسق مع الارتجال الذي ميز فترة الترويكا و في اضطراب عكس المزاج السياسي الداخلي أكثر مما كان محكوما بالمصلحة الوطنية العليا و بدور تونس الذي يمكن أن تقوم به كمثال ناجح على الانتقال الديمقراطي في المنطقة و كمرجع يقي الشعوب المجاورة الاستبداد لكن أيضا يقيها من منزلق الحرب الأهلية و الاقتتال الداخلي و الانقسام .

وبعيدا عن عدم وضوح الرؤية في التعاطي مع المستجدات الاقليمية ، فان الدبلوماسية التونسية غابت عنها النجاعة و الحيوية في دعم الاقتصاد بالترويج للمناخ الاستثماري التونسي و جلب الاستثمار الاجنبي و نسج شبكة صداقات لدعم الاقتصاد والسياحة التونسية و تغيير الصورة النمطية التي رسمت على تونس باعتبارها بلدا غير أمن للنشاط السياحي و مضطرب اجتماعيا منفرا للاستثمار ، هذا المجهود غاب عن الدبلوماسية التونسية او لم يكن له أدنى مردود كما غابت الدبلوماسية عن كسب مناصرة عالمية لتونس كبلد يعيش انتقالا ديمقراطيا في مجال مراجعة الديون و الغاء الديون الكريهة و استرجاع الاموال المنهوبة من طرف حكام الامس فغابت النجاعة الاقتصادية عن النشاط الدبلوماسي .

ان علاقات تونس مع محيطها و مع أصدقائها يجب أن ترتقي لعلاقات بين الدول لا علاقات محكومة بالايديولوجيا بين أطراف سياسية مهيمنة هنا و هناك ، و لا يمكن أن تكون فاعلة ما لم تراعي أمن تونس و التونسيين في الداخل و الخارج و المصالح الاقتصادية وما لم تكن القرارات مبدئية مناصرة للشعوب وقضاياها العادلة بقطع النظر عن التغيرات الظرفية العابرة، دون ذلك ستضل الدبلوماسية التونسية في مهب الرياح تحكمها ترضيات داخلية وارتجال وعدم تناسق كما هو الحال في الوقت الراهن .

20 ماي 2015 ، نشر بالطريق الجديد 23 ماي 2015

 

الدبلوماسية التونسية في مهب الريح : ارتجال  على خطى الترويكا
Partager cet article
Repost0

commentaires

Présentation استقبال

  • : Manai Mohamed
  • : مدونة فكرية منفتحة على الواقع اليومي المعاش ... من أجل ثقافة أكثر عقلانية
  • Contact

Recherche بحث

Liens روابط