Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
29 juin 2015 1 29 /06 /juin /2015 14:58

 

حراك اجتماعي متصاعد وأداء حكومي مرتبك

أي مصير للفئات الضعيفة؟

4 جوان 2015

محمد المناعي

بعد أربعة أشهر على تشكيلها لا تزال حكومة الحبيب الصيد تراوح مكانها في علاقة بالملفات المستعجلة خاصة الاجتماعية و الاقتصادية ، مع تواصل و تصاعد وتيرة الحراك الاجتماعي في مختلف القطاعات و الجهات بعضه منظم لكن أغلبه يتجه نحو الانفلات مما يطرح بجدية مدى قدرة الحكومة على معالجة الازمة الاجتماعية القائمة و التفاعل مع شركائها الاجتماعيين، بطرق تقطع مع الارتباك الذي ميز أدائها الى حد الان.

لقد طبع المشهد العام للمناخ الاجتماعي في الفترة الاخيرة بتتالي الاضرابات القطاعية في مجالات حيوية كالصحة و التعليم و الكهرباء و الغاز و النقل و غيرها ، جلبت الانتباه ومثلت مادة سائغة للتداول الاعلامي مما كرس مزاجا عاما يتجه نحو ادانة التحركات الاجتماعية و المطلبية و الاضراب والاحتجاج عموما و يتجه نحو شيطنتها ، دون التعمق في حقيقة الازمة الاقتصادية و الاجتماعية التي تشهدها البلاد و دون البحث بجدية عن المسؤولية الحقيقية عن هذا الوضع المتردي ، فتتحول سهام الادانة الى الفئات الضعيفة من المعطلين و العمال و الموظفين وهم الحلقة الأضعف في الهرم الاجتماعي و الشريحة الاقل نفاذا لوسائل الاعلام و التأثير في الرأي العام و الاكثر تأثرا بوطأة المأزق الاجتماعي الذي تردت فيه البلاد ، فلم تجد أمامها غير الاضراب كوسيلة سلمية للمطالبة بتحسين مقدرتها الشرائية أو معركة الامعاء الخاوية التي بخوضها المعطلين لدق ناقوس الخطر بعد انسداد افاق التشغيل أو التظاهر للفت أنظار الحكومة الى حقيقة الاوضاع و في مراحل أخرى متقدمة انفلتت الاحتجاجات الى خارج الاطر المنظمة الى المواجهة مع السلطة او تعطيل ألة الانتاج على غرار ما حدث بمنطقة الحوض المنجمي و بعض مناطق ولاية قبلي .

في المقابل نجحت الحكومة بسياسة المخاتلة الاعلامية الى تحويل المواجهة الى صفوف الشعب ليعم مناخ التذمر من المطلبية بين صفوف العمال والفئات الضعيفة نفسها وتحميل المسؤولية للنقابات المهنية و الخوض في سطح الازمة و افرازاتها الطبيعية دون تناول عمقها و معالجتها من الجذور فضلا عن رفع شماعة مكافحة الارهاب و التهديدات الامنية كلما تعالت الاصوات محملة الحكومة مسؤوليتها الاجتماعية .

هذا الاداء الاعلامي لم يخفي تردد الحكومة و عدم تماسكها و مسكها لملفات حارقة بايادي مرتعشة تفتقد للجرأة و الحزم كما تفتقد لرؤية واضحة للسياسة الاجتماعية و الاقتصادية و الأمنية ، وهو نابع بالأساس من تركيبتها المحكومة بشاغل الحفاظ على التماسك الداخلي المفقود أكثر منه بالنجاح في الاستحقاقات التي تنتظرها .

في المقابل يتصاعد حراك اجتماعي مشروع يعكس تردي المقدرة الشرائية لفئات واسعة من الشعب التونسي و من الاجراء لم تساهم المفاوضات الاجتماعية المتأخرة و المتعطلة و لا الاتفاقيات الثنائية بين الاطراف الاجتماعية  في انتشال المواطن من وضعه المتردي وإسناده في معركته اليومية من أجل لقمة العيش امام التهاب الاسعار وخاصة اسعار المواد الاساسية و انتشار الغش و الاحتكار مع تراخي الدولة في تطبيق القانون و غياب سياسة رقابية تحمي المستهلك و الاقتصاد الوطني .

هذا التباين الواضح بين نسق ارتفاع الاجور الذي لا يزال مجمدا و النسق السريع لارتفاع الاسعار وضع الاتحاد العام التونسي للشغل و القوى المعارضة الجدية سواء البرلمانية و غير البرلمانية أمام خيار وحيد وهو دعم المطالب الشعبية المشروعة مع الدعوة الى الحفاظ على المؤسسات و تجنب العنف ودعوة الحكومة الى التسريع بايجاد حلول ناجعة لهذا الاشكال المزمن .

غير أن هذه الأطراف لم تكن لها سياسة اتصالية ناجعة بحيث تخلق رأي عام مساند للحراك الاجتماعي المشروع و تخوض في حقيقة الملفات الاجتماعية و الاقتصادية و تبين بصوت عال الوجه الاخر للاحتجاجات غير الجانب المطلبي الذي تحول الى مادة للاستهلاك الاعلامي وهو الوجه الاستراتيجي المطالب بمنظومة تنموية عادلة مختلفة عن المنظومة الحالية الموروثة و الفاشلة و التي افرزت الوضع الاقتصادي الراهن و المختل ، المطالبة بالحفاظ على ممتلكات المجموعة الوطنية امام سياسة التفويت و الخوصصة التي تواصلها الحكومة الحالية و دعم القطاع العام القاطرة الضرورية للتنمية في الجهات المحرومة و الممول الرئيسي للسياسات الاجتماعية التي تنهض بالفئات محدودة الدخل و تخلق مواطن شغل وتدفع القطاع الخاص ، المطالبة باصلاح المنظومة الجبائية لارساء منظومة عادلة تصاعدية تجعل من الرأسمال الوطني مساهما في التنمية و تحارب التهرب الضريبي ، منظومة تربوية تعيد النجاعة للمدرسة التونسية ودورها ...الحفاظ على السيادة الوطنية خاصة امام ضغط الجهات المقرضة وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي ...

هذه الاجراءات وغيرها هي مطروحة على الحكومة من طرف شركائها سواء الطرف الاجتماعي الابرز الاتحاد العام التونسي للشغل او المعارضة البناءة التي لها تصور لمستقبل تونس و لمعالجة الازمات الراهنة بطريقة تشاركية تضع جميع الملفات على طاولة الحوار و التفاوض ، تحمل المسؤولية من طرف الجميع حكومة و أعراف و عمال ، لكي يمكن الحديث بجدية عن سلم اجتماعي مبني على ركائز ثابتة و تضحيات مشتركة و ليست هدنة اجتماعية كما يتم الترويج لها قائمة على وضع كل ثقل الازمة على كاهل الفئات الضعيفة مقابل دعوات للصبر و التضحية و العمل و عدم الاحتجاج تقابلها غياب الشفافية و تنصل جزء من اصحاب الثروة من مسؤولياتهم الوطنية و ائتلاف حكومي لا يتناول الملف الاجتماعي بجدية كافية و لا بالارادة المطلوبة .

في المقابل تتحول حركات شعبوية تتناول ملفا وطنيا شائكا واستراتيجيا مثل ملف الثروة النفطية الى محط أنظار وسائل الاعلام و تفاعل من الحكومة و شاغلا للراي العام ، هذا الملف الذي لا يزال كغيره من ملفات الثروات الباطنية من فسفاط و معادن و ملح و ماء وغيرها، يكتنفه الغموض من حيث توجيه استغلاله خدمة للتنمية الوطنية وخاصة تنمية المناطق الداخلية في اطار التمييز الايجابي و من حيث عقود الاستغلال و التصدير و تحكم الدولة التونسية في جميع مراحل الاستخراج و التحويل و التسويق بما يضمن السيادة الوطنية على الثروة الطبيعية ، و من ناحية الحوكمة و الشفافية و الاستغلال المستدام بما يحمي البيئة و حقوق الاجيال القادمة و يقي هذه الثروات من الاستنزاف .

هذا الموضوع الذي تم التسويق له بمنطق تقسيمي و جهوي صاحبته دعوات لأطراف سياسية معلومة الى اعادة تقسيم اقليمي و ضخّت شحنات الجهوية و القبلية بين المواطنين و دخلت على الخط في أعمال العنف التي جدت بولاية قبلي مؤخرا في تحرك مشبوه لا يستهدف الحكومة و لا فتح ملفات الفساد بقدر ما يستهدف الدولة التونسية و تماسكها و امنها الوطني خاصة في ظل خطر حروب النفط و الارهاب التي تخاض على حدود تونس الجنوبية ، وترويج وهم الثروة و الرخاء لجهات عانت ولا تزال من التهميش و النسيان ، وفي هذا الاطار لم تحد الحكومة عن ترددها و اضطرابها في التفاعل مع هذه الحملات ومع موضوع الطاقة في تونس فلم توضح للرأي العام واقع قطاع البترول تنقيبا و استخراجا و تسويقا وتوظيفا لعائداته المالية وتركت ضبابية ونقاط استفهام غذت الاشاعة وشعبوية الطرح .

ان الفترة العصيبة التي تعيشها تونس تحتاج الى تضافر جهود كل القوى الوطنية من أحزاب سياسية وعمال ممثلين في الاتحاد العام التونسي للشغل و أعراف على قاعدة تشاركية تضبط فيها الخطوط العريضة لسياسة انقاذ للوضع الاقتصادي و الاجتماعي وخاصة الاجراءات العاجلة لصالح المواطن ،تلتزم جميع الاطراف بالانخراط فيها و انجاحها و فتح الملفات الوطنية الكبرى وفي مقدمتها ملف العدالة الجبائية و ملف الثروات الطبيعية و ملف الحرب على الإرهاب لإعادة مناخ الثقة و امتصاص التوتر الاجتماعي و تقاسم التضحية .

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

Présentation استقبال

  • : Manai Mohamed
  • : مدونة فكرية منفتحة على الواقع اليومي المعاش ... من أجل ثقافة أكثر عقلانية
  • Contact

Recherche بحث

Liens روابط