Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
29 juin 2015 1 29 /06 /juin /2015 15:23

تحالف اليمين المدني والديني فشل في اخراج تونس من أزمتها

18 جوان 2015

محمد المناعي

إن أبرز ما ميز المشهد السياسي التونسي في السنوات الأربع الاخيرة هوعدم النجاح في افراز طبقة سياسية حاملة لمشروع اجتماعي يتبنى الأهداف التي قامت من أجلها الثورة و يترجمها الى برنامج سياسي و اقتصادي  يستجيب لتطلعات المواطنين وانتظار ، ليبقى المشهد رهين تحالفات غير طبيعية يمثل الاسلام السياسي أحد مكوناتها لم تنتج سوى الفشل و لم تساهم سوى في ادامة و تعميق الأزمة و آخرها التحالف بين اليمين المدني الليبيرالي و اليمين الديني و فشلهما في ادارة الشأن العام ومعالجة الملفات الحارقة الامنية و الاقتصادية فرادى و حلفاء.

مثلت قوى اليمين بشقيها المدني و الديني الفاعل الأساسي في الشأن العام منذ نهاية حكم بن علي فقد نجحت المنظومة الحاكمة السابقة في اعادة التشكل ضمن الحكومات المتعاقبة قبل انتخابات أكتوبر 2011 في نفس الوقت الذي كانت فيه حركة النهضة مكونا أساسيا ضمن التجمعات السياسية التي أفرزتها الثورة فكانت عضو المجلس الوطني لحماية الثورة جنبا الى جنب مع القوى اليسارية و القومية و المنظمات الوطنية و كانت فاعلا اساسيا في اعتصام القصبة 2 و حاضرة بقوة في هيئة بن عاشور مع القوى التقدمية ، لتكون في الحكم بعد الانتخابات مع قوى مدنية ، فنجحت في التطبيع مع المكونات السياسية الأساسية فضلا عن التغلغل في المجتمع التونسي و التسويق لمدنية مزعومة كشف عنها القناع ابان حكم الترويكا ، في نفس الوقت خاضت المنظومة السابقة معركة التطبيع مع المشهد السياسي بالتحالف مع قوى تقدمية و خوض معارك مفصلية جنبا الى جنب مع قوى يسارية ضمن اعتصام الرحيل و العودة التدريجية لتصدر المشهد السياسي و تتويج ذلك بالتحالف مع اليمين الديني ضاربة عرض الحائط شعارات رفعت الى وقت قريب و طبعت الحملات الانتخابية للطرفين قوامها التناقض للدفاع عن مشروعين مجتمعيين على طرفي نقيض .

فنجحت حركة النهضة في خلق تحالف مع قوى مدنية للمرة الثانية وفك عزلتها و استثمارها لتأكيد أحقيتها بالحكم و طمأنة المتخوفين من حكم الاسلاميين ضمن استراتيجية التقدم التدريجي لكن بخطوات ثابتة في المقابل تشنج ومعارك داخلية و تضارب المصالح داخل الحليف الثاني نداء تونس  .

هذا الخيار الذي انتهجه القطبين الأساسيين في تونس كان ولازال يصب دائما في المصلحة الحزبية الضيقة أكثر من مصلحة البلاد فالزواج المصلحي بين حركة النهضة و الاحزاب الحاكمة حاليا كان مصدر احباط لشريحة واسعة من الناخبين وأفرز خللا في التوازنات السياسية و تغليب الموالاة على حساب المعارضة وكسب سند واسع للحكومة بما يجعل من المعارضة طرفا ضعيفا غير مؤثر و يسمح للشارع بأن يعبر عن فشل الحكومة ومسانديها بالاحتجاجات و غيرها ، كما قدّم درسا سلبيا على التنافس الديمقراطي على أساس المشروع و البرنامج ، ليصبح هاجس الحكم هو الأهم بقطع النظر عن الاهداف حتى وان بدت متناقضة

هذا التحالف لم يكن مؤشرا سلبيا على انطلاقة مختلة لسير المؤسسات الدستورية الدائمة فقط بل وبالا على الواقع الاقتصادي و الاجتماعي ، فرغ حجم المساندة البرلمانية و المساندة المفترضة من قواعد الحزبين الاكبر فشلت حكومة الحبيب الصيد في أول دروسها وهي عملية تشكيلها نفسه بمحاصصة مكشوفة تعيق التماسك و العمل الفريقي ، كما يتأكد فشلها تدريجيا في فتح ملفات وقضايا تهم مباشرة المواطن كملف التشغيل و التنمية والمسألة الامنية واصلاح المنظومات المختلة في الامن و الجباية و التربية و الاستثمار وغيرها ... و التي وضعت في الرفوف بمجرد انتهاء الحملة الانتخابية للحزبين الذين وعدا الناس و أخلفا و سقطا اليوم في التبرير و سلوك سياسة صم الاذان في مواجهة حراك اجتماعي عجزت الحكومة على التفاعل معه ايجابيا و بناء مناخ من الثقة .

 يرتكز اليمين المدني في تونس على ركيزتين أساسيتين تجعل من هيمنته على المشهد السياسي أمرا متوقعا دون أن تكون له القدرة الكافية على ادارة الشأن العام و الاستجابة لمطالب الشعب ، فالركيزة الأولى موروث سياسي و اجتماعي و رمزي له حاضنة شعبية واسعة استعمله حزب نداء تونس في تسويق صورة الوريث الشرعي" للزعيم بورقيبة رمز الحركة الوطنية و بناء دولة الاستقلال و رائد التحديث" و بالتالي استغلال رصيد تاريخي في الحكم لم يتسنى لغيره من الاطراف السياسية فكان هذا الخطاب جاذبا للفئات الشعبية ذات الوعي المحدود و التي ليست بالضرورة مسكونة بهاجس الديمقراطية و التداول على السلطة و اطلاق الحريات ، بل شاغلها الاساسي الأمن وتحسين ظروف المعيشة ،و طبقة وسطى مثقفة الاكثر وعيا و قدرة على التحليل و التأثير صدمت بالفوضى التي أفرزها حكم الترويكا و العجز عن ايجاد الحلول و تهديد مكتسبات و ثوابت اجتماعية راكمتها تونس فكانت مشغولة بمناقضة المشروع الديني و بالحفاظ على مناخ الحريات و انجاح مسار الانتقال الديمقراطي وخلق التوازن السياسي في البلاد وهو ما يعني الهاجس التقليدي لهذه الطبقة هو الاستقرار.

 بينما الركيزة الثانية وهي تحالف رأس المال و الطبقة المتنفذة و المستفيدة اقتصاديا من فترات الحكم السابقة مع الطبقة السياسية الليبيرالية و المدنية و شبكة العلاقات ليس داخليا فقط بل على مستوى دولي ، لذلك فقد طبع المشهد بتصدر رجال أعمال القائمات النيابية و قيادة بعض الاحزاب السياسية ليكون لهم الدور الاساسي في التحالف الحاكم عبر شق واسع من نداء تونس و حزب الاتحاد الوطني الحر و حزب أفاق تونس الاكثر وضوحا في توجهه الليبيرالي الممنهج و المتناسق في شكل مشروع سياسي اقتصادي .

هذا التحالف لم يجد أي تناقض في الحكم مع حركة النهضة باعتبار الاشتراك في نفس المميزات من دعم خارجي و محاولة ترويض تيارات الاسلام السياسي للوصول للحكم في المنطقة العربية و باعتبار الحاضنة الشعبية لهذا الفكر الذي يوظف الدين و دور العبادة فضلا عن التوجه الاقتصادي الليبيرالي المرحب به من طرف الاوساط المتنفذة داخليا و المؤثرة خارجيا ، فكان تحالفا طبيعيا على المستوى الاقتصادي .

غير أن طبيعة المرحلة التي تمر بها تونس اجتماعية بالأساس فهذا الانفراج السياسي و التحول الديمقراطي لم يكن وليد تغيير داخلي في نظام الحكم بل نتيجة ثورة شعبية ذات أهداف و شعارات اجتماعية محورها التنمية العادلة و الشاملة و التشغيل و الكرامة... و الرجة العنيفة التي أحدثتها في الاذهان و القناعات و اعادة تشكيل نفسية التونسي في علاقته بنفسه و علاقته بالدولة من علاقة قائمة على الخوف الى علاقة قائمة على الاحتجاج و المطلبية وحجم الثقة التي اكتسبها المواطن في علاقته بأي سلطة قائمة ، هذا المناخ الجديد لم تكن التحالفات التي حكمت تونس منذ الثورة الى اليوم لتستجيب لمقتضياته و لم يفرز طبقة سياسية جديدة أو متجددة قادرة على ترجمة شعارات الثورة الى برنامج حكم يعيد الثقة للمواطن و يجيبه عن تسائلاته و يستجيب لطموحاته و يقطع مع الحيف و الاستغلال الذين طبعا الفترة السابقة و الحالية .

هذا الفراغ في وجود تنظيم سياسي ذو أفق اجتماعي متماسك وله خطة استراتيجية ترك المجال لتحالف يميني واصل سياسة تقاسم الغنائم في التعيينات و الهيمنة على مفاصل الدولة و في سياسة التداين و الارتهان للمؤسسات المالية العالمية و في غياب الجرأة في علاقة بقرارات سيادية و خاصة في سلوك سياسة اقتصادية ترقيعية دون مشروع و استراتيجية واضحة و النزوع نحو التعامل الامني مع التحركات الاجتماعية في نفس الوقت انفلات اقتصادي و عجز الدولة على تطبيق القانون و حماية الحدود و جلب الاستثمار و خلق مناخ ثقة للمواطن و المستثمر .

هذا الفشل الاقتصادي في ايجاد حلول اجتماعية صاحبه توجه مشترك للانفراد بالملفات الاجتماعية و عدم تشريك الاطراف الفاعلة من منظمات وطنية و أحزاب معنية بل محاولة تهميش دور الاتحاد العام التونسي للشغل و الحد من دوره كفاعل أساسي في الساحة الوطنية على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و ايضا السياسي وهو ما تترجمه تعطل المفاوضات و تنامي الاضرابات و الاحتجاجات المشروعة و المنظمة فكشف تحالف النهضة و نداء تونس عن غياب رؤية اقتصادية و مشروع حكم مشترك يخرج البلاد من أزمتها الشاملة .

التحالف الحاكم له أيضا امتدادات عقائدية و فكرية خارجه فحركة النهضة لا تزال تعتبر تنظيمات الاسلام السياسي امتدادا لها و لمشروعها المجتمعي و لم يحسم المجتمع التونسي و نخبه مدى علاقتها بالارهاب نظريا قبل التورط الميداني فالتعليم الديني الموازي الخارج عن الرقابة و المساجد المنفلتة و المال المشبوه تحت الغطاء الخيري و الدعوي و مساندة العنف المسلح في سوريا و تاريخ قريب في دعم الجماعات العنيفة و التحالف مع التنظيمات السلفية التكفيرية يجعل من وجود حركة النهضة في الحكم حاجزا و معيقا لمحاربة الارهاب على فرض أن بقية الحلفاء لهم هذه الارادة الصادقة و الواضحة في اجتثاثه لا الاستثمار فيه لاعادة القبضة الامنية في المقابل حركة نداء تونس لها شبكة علاقات مع المنظومة المتنفذة سابقا لذلك فان فتح ملف الاملاك المصادرة و قضية رجال الاعمال المتعلقة بذمتهم قضايا فساد يضل مؤجل الى تاريخ غير مسمى فعطلت شبكة الحلفاء و المصالح الحزبية حل قضايا جوهرية اقتصادية و أمنية .

ان الفشل الذريع في الحرب على الارهاب و التردد في اصدار التشريعات الضرورية  رغم الأغلبية البرلمانية المريحة و الحاح المعارضة على نفس المطلب و أمام تكرر العمليات التي تستهدف قوات الامن و الجيش يكشف عن غياب ارادة واضحة للتقدم في هذا الملف وخاصة غياب تصور لدى التحالف الحاكم لاجتثاث الارهاب من جذوره و تجفيف منابعه و محاصرته ماليا و فكريا قبل القضاء عليه ميدانيا

هذه القضايا الجوهرية و غيرها التي أكدت مرة أخرى فشل التحالف بين اليمينين الديني و المدني كما أكدت الحاجة الى بديل ثالث اجتماعي تقدمي فأي ملامح لهذا البديل ؟ 

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

Présentation استقبال

  • : Manai Mohamed
  • : مدونة فكرية منفتحة على الواقع اليومي المعاش ... من أجل ثقافة أكثر عقلانية
  • Contact

Recherche بحث

Liens روابط