Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
22 décembre 2012 6 22 /12 /décembre /2012 13:21

 

424173_3349129765166_1631876102_n.jpg

بعد مخاض عسير من مسودة المشروع الى مشروع المسودة بدأت ملامح الدستور التونسي تتبين،  و باعتبار التوطئة أو الديباجة هي روح الدستور وإطاره وموجهه فقد كشف محتواها وشكلها عن مضمون الدستور وهدف المشرّع ومشروعه منذ البداية . لم يكن حال الدستور بأفضل من حال البلاد حيث كانت الطموحات كبيرة للتقدم و الحصيلة ضئيلة الى درجة التراجع عن مكتسبات تضمنها دستور 1959 مما جعل من مدنية الدولة ونظامها الجمهوري مهددة أمام اغراق التوطئة وعدة فصول بمفاهيم عقدية دينية ذات مضامين فضفاضة تنافي مفهوم الدولة الديمقراطية المدنية التي نريد بنائها والتي أصبحنا نناضل من أجل بقائها .

بالاطلاع على توطئة الدستور وبعين غير حقوقية نكتشف بجلاء أثر الصراع الايديولوجي والتجاذب السياسي الذي ميز صياغتها وتعديلها الى درجة مراكمة مفاهيم ومصطلحات لإرضاء طرف سياسي حسب درجة ضغطه ، فكانت صورة الاغلبيات داخل المجلس مجسدة في نص التوطئة دون موضوعية تقتضيها عملية رسم توطئة لدستور ديمقراطي قادر على الاستمرارية متعالي عن التوازنات الراهنة الزائلة .

بقطع النظر عن المستوى الشكلي للتوطئة الذي تخلف كثيرا عن دساتير وضعت قبل دستورنا بزمن على غرار الدستور الهندي او الامريكي أو حتى دستور تونس بعد الاستقلال والتي تميزت بالاختصار والدقة و الشمولية فقد وردت التوطئة مغرقة بالتفاصيل مطولة في فقرات ضبطت الاولويات فيها حسب مشروع الدولة المراد بنائه و بالتأمل في المضمون نكتشف تفاصيل هامة تحدد الخط الذي يسير فيه الدستور و منه بقية المؤسسات التي ستنتظم وفقا لمبادئه .

 أول التفاصيل التي تعترضنا اغفال الحديث عن الاستقلال في تأصيل الدستور تاريخيا فقد تم الجمع بين التحرر من الاستعمار والاستبداد في خانة واحدة وهو ما يكشف الخلفية الفكرية التي اقترحت الصياغة والتي تتنكر لمرحلة رئيسية من تاريخ تونس المعاصر وهي مرحلة الاستقلال وبناء تونس الحديثة فقد وردت " ... الثورة التي توجت ملحمة التحرر من الاستعمار والاستبداد ..." هذا الخلط المتعمد يقفز على أبرز ما تحقق لتونس من ارساء أركان الجمهورية المدنية رغم ما تم من الزيغ عن مبادئها الحقيقية.

وبالرغم من حسم الجدل القائم حول الفصل الاول و مسألة تضمين الشريعة في الدستور فقد وردت التوطئة مكرسة لعلوية الجانب العقائدي الديني كمرجعية يتأسس عليها الدستور وهو ما يوازي اعتبار الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع فقد وردت صراحة بالنص " تأسيسا على ثوابت الاسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال ، وعلى القيم الانسانية السامية ..." فطرحت بجلاء ركيزة الدستور الاولى وهي الشريعة الاسلامية فمصطلح ثوابت الاسلام ومقاصده حمال لجميع التأويلات والتفسيرات ، ذلك أن أشد التفسيرات تطرفا تعتبر ما تدعو اليه ثوابت الاسلام وتحقيقا لمقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال وهو ما يجعل من كل ما يرد بعد أساس الدستور - ثوابت الاسلام - تفريعات تصبح لا معنى لها متى تناقضت مع الشريعة الاسلامية ، زد على ذلك تقديم مسالة الشريعة على القيم الانسانية السامية و التهرب من التأسيس على القيم الكونية لحقوق الانسان وهي الاشمل و الاوضح والأدق فكشفت التوطئة عن نية واضحة بصريح النص للتراجع عن المبادئ الكونية و تعويضها بوصف" السامية "مما يفتح باب الاجتهاد حول ماهو سامي وماهو وضيع على ضوء الجملة التي سبقتها والتي تحيل على ثوابت الاسلام.

يتواصل تقييد نص التوطئة و أسلمته في الاشارة الى الاستلهام من المخزون التاريخي للشعب التونسي و " حركته الاصلاحية المستندة الى مقومات هويته العربية الاسلامية " فالحركة الاصلاحية التونسية في الفترة الحديثة والمعاصرة لا يمكن الاستلهام منها حسب المشرّع ما لم تستند الى مقومات الهوية العربية الاسلامية و التي يضل تحديدها وضبط ملامحها أمرا مستحيلا بشكل يمكن أن يجعل من أفكار خيرالدين باشا التونسي أو الطاهر الحداد أفكارا متغربة لا يمكن الاستلهام منها ولا اعتبارها اضافة حضارية جدية حسب ترجمات معينة لمفهوم مقومات الهوية العربية الاسلامية .

لم يغفل نص التوطئة الاشارة الى ضمان السيادة للشعب رغم تغيير الصيغة لتجنب اعتبار الشعب صاحب السيادة الوحيدوالمصدر الوحيد للسلطة ولا يمكن لأي مراجع فوقية غير نابعة من الشعب أن تحد من سيادته ... هذه التضمينات تنزلق بالنص وبالدستور الى فضاء ضبابي يمكن معه تمرير أي مشروع حتى وان تنافى ومدنية الدولة في جانب من جوانبه ...و في اطار الاشارة الى الشعب ومشاركته في الحياة السياسية ضمنت مفاهيم سياسية فكرية اخوانية صراحة في نص التوطئة في اطار أدلجة الدستور وصياغته على المقاس فقد ورد مصطلح " التدافع السياسي " حيث اعتبرت الحوكمة الرشيدة أساس هذا التدافع وبقطع النظر عن الإيحاء العنفي الذي يتضمنه  فان في المصطلح اشارة الى النص الديني :"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز " ( سورة الحج )ٌ

وعلى خلاف التنافس الذي يبرز الأجدر يفرز التدافع الاتقى الذي ينصره الله و الاقوى وهي رؤية للمشهد السياسي من زاوية ايديولوجية حادة .

وبعيدا عن الاشارات المغرقة في التركيز على الهوية العربية الاسلامية والتي ذكرت في معاني مختلف أكثر من خمسة مرات مقارنة بذكر تونس في مناسبتين فقط فقد بين نص التوطئة أن الاهتمام كان مركزا على قضية الهوية أكثر من التركيز على الحقوق والواجبات التي من أجلها تصاغ الدساتير ففي اشارته للمساواة جمع المشرع بين العدل والمساواة من جهة وبين المواطنين والمواطنات والفئات والجهات من جهة أخرى فوضع المساواة في غير موضعها وهي التي تهم المواطنين والمواطنات فقط في حين تشمل العدالة الفئات والجهات في علاقة بالتنمية .

نص توطئة الدستور رغم بعض النقاط المضيئة فيه من اشارة الى أهمية قيمة العمل و الاسهام في الحضارة الانسانية و حماية حقوق الاجيال القادمة و مساندة القضايا العادلة فان المضمون الجوهري للتوطئة تمحور حول مرجعية دينية ثقافية اسلامية تجعل من المبادئ الكونية لحقوق الانسان مجرد مكمل وتهدد طبيعة النظام الجمهوري ومدنية الدولة كما تهدد الحريات العامة والفردية وهو ما يتأكد من خلال مجموعة من الفصول في نص الدستور تجرم الاعتداء على المقدسات دون تحديدها و تحد من سلطة القضاء و حرية التعبير ...المسؤولية اليوم تقتضي فتح حوار جاد وشامل يشارك فيه الجميع من أجل صياغة دستور قادر على الاستمرارية مستجيبا للقيم الكونية يحمل خصوصيات شعب قام بثورة و طمح الى تثبيت حقوقه وتطلعاته في دستور مدني ديمقراطي عصري .


 المناعي، نشر بالطريق الجديد 22 ديسمبر 2012

Partager cet article
Repost0

commentaires

Présentation استقبال

  • : Manai Mohamed
  • : مدونة فكرية منفتحة على الواقع اليومي المعاش ... من أجل ثقافة أكثر عقلانية
  • Contact

Recherche بحث

Liens روابط