بعد اختطاف الرضيعة من مستشفى الأطفال : ماذا لو كانت المرأة منقّبة.....؟
بعد عملية اختطاف الرضيعة من مستشفى الأطفال باب سعدون ، ودور الإعلام سواء القنوات التلفزية او الفايسبوك في ترويج تلك الصورة التقريبية للمرأة المتورطة في العملية ، رسالة أرت تبليغها لمن يدافع عن اللثام أو ما يسمى بالنقاب في الأماكن العامة مفادها سؤال بسيط : ماذا لو كانت الجانية منقّبة ؟
ان ضيق أفقهم يجعلهم لا ينظرون للمسالة الا كتحد للمجتمع و لا ينظرون لمن يطرح المسالة الا من زاوية عقدية دينية ، لن نناقش علاقة اللثام بالدين لأنها محسومة والدين الاسلامي لم يأمر الناس باخفاء هويتهم بل هي دعوة للنظر للمسالة من زاوية أمنية فهذا اللباس الذي يخفي تماما ملامح الانسان يمكن ان يكون وسيلة ناجعة لكل انواع الاجرام من اختطاف و تحويل وجهة و تجارة مخدرات وغيرها ( نذكر أحداث من قبيل رجل يقتحم مبيت فتيات يرتدي نقابا ...)والتخفي من طرف المطلوبين والمطلوبات للعدالة ...ان هذا اللثام قد يخفي تحته انسانة أمية اعتقدت خطأ أن عليها لباس هذا اللثام لتكون ملتزمة دينيا في فهم بدائي ... كما يمكن أن يخفي تحته ما لا يمكن توقعه من كوارث تهدد أمن الناس ...فاكشفو عن وجوهكم وارفعو النقاب عن عقولكم . ( المناعي )
مداولات المجلس التأسيسي وتنصيب رئيس الجمهورية
جوهر دكتاتوري بطقوس ديمقراطية
محمد المناعي
تكشفت أشغال المجلس الوطني التأسيسي وتنصيب رئيس مؤقت للجمهورية فاقد الصلاحيات عن طبيعة مشهد ديمقراطي من حيث الشكل ، هيمني تسلطي من حيث المضمون ، بحيث استحضر الحلف الثلاثي معجم مستلهم من النظام الدكتاتوري السابق قوامه عدم هضم فكرة التنوع والاختلاف في الرأي والموقف والندية بين مكونات المجلس والانخراط في تخوين المعارضة وشيطنتها وشحن الأجواء السياسية بمنطق المؤامرة التي تبدو فيها النهضة وتابعيها في صورة منقضي البلاد من الهلاك وأصحاب الحقيقة وكل ما سواهم معرقل مشوش حد اتهام المعارضة لمعارضتها ومحاولة مصادرة حق المواطن في التعبير في الفضاءات العامة خارج المجلس التأسيسي، عبر تهمة التوظيف السياسي كخطوة أولى للإجهاز عليها . وقد فات الثلاثي المبتدئ في الممارسة الديمقراطية أن تناغم المطالب الشعبية أمام المجلس مع مواقف المعارضة لا يعني بالضرورة امتداد شعارات المعارضة خارج المجلس بقدر تجرد المعارضة من كل جشع تجاه السلطة وبالتالي مثلت صوت الشعب داخل جلسات الحوار ناقل لهواجسه .
فمطلب الفصل بين السلطات والتوازن بينها هو من البديهيات الديمقراطية ومطلب كل الشعوب التي تتوق فعلا للتأسيس لمؤسسات ديمقراطية فعلية غير خاضعة للأغلبيات والأقليات وبالتالي لا غرابة أن نجد موقف المعارضة و موقف الخبراء والموقف الشعبي يستنكر الجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لأعضاء الحكومة التي استماتت النهضة في الدفاع عنها بما يكشف عن نهم للسلطة لا مبرر له، فالنائب المشغول بالتأسيس الممثل للشعب و الوزير المحمل بأعباء قطاع بأكمله وبعمل حذر متواصل لا يجتمعان لدى بشر واحد الا وتهاون في احدى الوظيفتين ، كما أن المرحلة التأسيسية تقتضي توزيع المهام بشكل متوازن بين رأسي السلطة التنفيذية لتقاسم عناء حل اشكاليات تركة ثقيلة من الأزمات العالقة والعميقة لم يثني نهم حركة النهضة وارادتها للهيمنة على السلطة التنفيذية بتضخيم صلاحيات رئيس الوزراء و التمهيد بنص قانوني لأن يكون و يظل منها حتى في حالة حجب الثقة . باعتبارها الأكثر مقاعد في المقابل تنصيب رئيس جمهورية شكلي المهام محدود الصلاحيات في تنازل صريح من حزب المؤتمر عما روج له في حملته الانخابية وبعدها من دفاع على التوازن بين السلطات ورئاسة ذات صلاحيات محترمة تليق برمز من رموز الجمهورية ورأسها . انضاف الى شرفية منصبه مسرحية انتخابه حيث كان الجميع يعلم مسبقا بأنه منصّب من الثلاثي في اطار محاصصة صريحة وان انتخابه مجرد استجابة لشكليات مملة لذلك كان عدم ترشح المعارضة له ما يبرره بل كان معبرا عن عدم الرضى عما تم تمريره من قانون يكرس هيمنة حزب واحد ويعيد انتاج دكتاتورية بطقوس ديمقراطية ورئيس شرفي منزوع الصلاحيات غير محدود المدة الرئاسية بلغ الكرسي منفردا دون منافسة .
ان الصمم الذي ابدته الأطراف المتحالفة تجاه اقتراحات المعارضة في عدة مناسبات كشفت عن تنكر لمبدأ العمل الوفاقي الذي نادت به النهضة وكانت اول المتنكرين له في حين سلّط سوط التصويت على كل اقتراح بدى منطقيا محرجا لما اتفق عليه الثلاثي وكان بمثابت الهروب الى الأمام لتجاوز المأزق وعدم ترك المجال للتفاعل الشعبي والإعلامي وأحيانا حتى كبح جماح التفاعل داخل المجلس فكانت الدعوة للتصويت في اطار مأزق اقرار استقلالية القضاء واستقلالية البنك المركزي و عدم الجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية و التوازن بين رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية و ضبط تاريخ يلزم جميع الأطراف بصياغة دستور والحد من الفترة الانتقالية وغيرها من المسائل التي دافعت فيها المعارضة عن خيارات شعبية في حين دفعت يها النهضة و اتباعها الى المصلحة الحزبية الضيقة و احتكار السلطة قد تنتهي بأزمة ما لم تتخلى الثلاثي عن منطق " صوّت والا طيّر قرنك" ومنطق تخوين المعارضة والتفاعل الشعبي وما لم تسعى فعلا للتوافق و الوعي بان التصويت لا يشمل المسلمات الديمقراطية كالفصل بين السلط واستقلالية القضاء و الحريات واحترام حقوق الانسان لكي لا نصل الى مرحلة التصويت بين خياري الخلافة و الديمقراطية ذاتها .
الخطاب السلفي والعنف المنهجي : نظرة من الداخل ودعوة للحوار
محمد المناعي
بعد تواتر الاعتداءات على الحريات و محاولة تحويل وجهة المجتمع الى قضايا هامشية تلهيه عن استحقاق البناء الديمقراطي و التوقي من أي بوادر لعودة التسلط ، تطفوا على سطح الأحداث مجموعات يصفها البعض بالتشدد و يصفها البعض الأخر بالمجموعات الخارجة عن القانون دون الخوض في معتقداتها ويجمع الغالبية على نعتها بالتيار السلفي الأصولي ، يكتنف الغموض معتقدات هذه المجموعات ذات التصورات الوافدة المستجدة على الشعب التونسي مما يفسح المجال اما لتعاطف غير مبرر أو لتهجم مبالغ فيه يغلق باب الحوار وينحو به نحو العنف والتوتر مما يفرض على جميع مكونات المجتمع تفكيك هذا الخطاب الذي ينعت بالسلفي وتحليله كمنطلق ضروري لفهمه والتعامل معه دون الوقوع في التغاضي عنه كظاهرة في توسع ودون الدخول في صدام يهدد الاستقرار الاجتماعي .
ان الخطر في الخطاب الأصولي بشكله المؤدلج حد التطرف او السلفي الجامد هو تبعيته المطلقة غير المعقلنة للأصول التي لا يرى مستقبله إلا باستدعائها والاعتصام بها وبالماضي ووجوده في غلاف عازل عن أي تطور ناتج بالأساس عن عدم عرض منظومة تصوراته للتفكيك والتحليل والنقاش ولغياب الاعتراف بنسبية الفكر اولا كمنطلق لعرضه للحوار و أكثر من ذلك اضفاء قداسة على هذه المنظومة الفكرية المتواترة بما يجعل منها آليا في أذهان أصحابها غير قابلة للتعديل وكل خوض فيها هو دعم لبراهين اطلاقيتها وقداستها لا تنسيبها وبحثا عن مؤمنين بها لا عرضها على محك الاختبار و التعديل .
في هذا الاطار ينتج السلفي أفكارا أو يتبنى أطروحات و يبحث لها عن ركائز من خارجها تدعمها كترويجها على أساس كونها مستنبطة من كتاب مقدس فتنال في ذهنه بالتالي نفس قداسة مصدرها والحال أن مستنبطها هو مجرد بشر كغيره من البشر خطاء نسبي الأفكار ...كما يسعى السلفي لتوسيع دائرة القداسة فيحسم ببساطة في كل المسائل الخلافية ليضفي قداسة على كلام من عاصر الرسول من صحابة و حتى من جاء بعده بقرنين من الزمن ويوسع دائرة القداسة لتشمل اراءا ومواقف يسمونها بالفتاوى هي في الحقيقة مجرد أراء لأصحابها منها ماهو موجه خدمة لأغراض سياسية عبر التاريخ ومنها ماهو تمذهب ودعم لتوجه دون آخر وهي تحترم كوجهات نظر وترفض بصفتها تلك لا غير ولا قداسة فيها ولا الزام ...فلا يوجد في الدين الاسلامي تحديدا مؤسسة مهمتها تفسير النصوص المقدسة عوضا عن الناس ولا يوجد أفرادا ولا مراجع من واجب البقية اتباعهم غير الإقتداء المباشر بالنص الأصلي والالتزام بما جاء فيه لكل من اختار الاسلام عقيدة طواعية دون إكراه .
ان ما يميز السلفي ليس منظومته العقدية التي يخترعها ويصدقها ويقدسها و يتمسك بها ولا يقبل فيها نقاشا ولا حوارا بل ما يميزه هو عنفه المنهجي والمبرر لديه عبر ايمانه بأن من واجبه اجبار الأخر على اعتناق تصوراته فينخرط في تمش مغلق ينطلق من اعتبار أفكاره مقدسة وبالتالي كل معارض لها أو مخالف لها هو مخالف للمقدس و هو ما يسوغ له العنف الفكري واللفظي و المادي ...ونجد في الواقع أمثلة معبرة حيث ينطلق السلفي من وجهة نظر تجاه نص معين ومجموعة أراء تسمى فتاوى حول اللباس بحيث يرى ويستنتج من ذلك ضرورة اخفاء المرأة لهويتها بالكامل ويتجاوز ذلك لإجبار الأخر على الاعتراف بهذا الحق والحال أن اللباس هو معطى ثقافيا يندرج ضمن منظومة عادات اجتماعية ديناميكية فاللباس الرجالي لم يتغير عند ظهور الديانة الاسلامية بل حافظ الناس على لباسهم المعتاد بما ان الدين جاء كمنظومة قيمية أخلاقية لا تهتم بالشكليات الا ما كان له علاقة مباشرة بالقيمة ...كما كان اللثام أو النقاب عادة صحراوية لدى عدة شعوب منها بعض شعوب شبه الجزيرة و شعب الطوارق بصحراء شمال افريقيا الذي يتوارث عادة النقاب او اللثام كلباس رجالي بقي في اطاره الموروث كعادة دون اضفاء اي قداسة عليه ...لكن في الشرق عمل تحالف السلطة القبلية المتسلطة بالسعودية ومجموعة احتكرت التكلم باسم الدين و كونت ما يشبه النظام الكهنوتي على ترويج بعض العادات البدوية على انها من جوهر الدين والتمسك بها و تسويقها عبر الفضائيات لتعمية شعوبها عن القضايا الأساسية حول التحرر و الديمقراطية وحقوق المرأة و احترام حقوق الانسان المنتهكة بتلك الربوع تحت غطاء فهم مغلوط ومشوه ومتشدد للدين .
هذه الترهات التي تروجها الدكاكين الفضائية السلفية وجدت بيئة خصبة تحكمها الأمية الفكرية و الانبتات و غياب خطاب ديني معتدل وانغلاق فضاءات الحوار حول كل ماهو موروث ديني وحضاري فكونت حزاما من المناصرين في مجموعات منغلقة أصبحت تهدد حرية الناس في تبني الفكر والمرجع وحتى المعتقد الذي تراه مناسبا لها والقراءة الدينية التي تناسبها كما تتدخل بعنف في خصوصيات الناس من لباس ومظهر خارجي وممارسات ، بل و تنادي بنظم بدائية تهدد مدنية الدولة وسلطة الشعب والحريات العامة التي ينشدها الجميع .وتنشر تصورات تكفيرية تهاجم الفنانين والمبدعين والمفكرين على خلفية ابداعاتهم وارائهم ومواقفهم وتتدخل في ضمائر الناس في تصنيفات تجعل من البعض أكثر ايمانا من البعض الأخر و تحرض على العنف لتبليغ مواقفها ...
ان التعارض المبدئي والمنطقي مع هذه التصورات لا يصادر حق متبنيها في حرية الاعتقاد والتفكير بل تضمن الدولة المدنية الديمقراطية حق الانسان في تبني العقيدة التي يراها مناسبة في حين يتم تنظيم ممارسة هذه العقائد وترجمتها في الواقع عبر نظام لا يعترف بالاكراه والعنف و يفتح منابر الحوار لإدماج كل الأقليات التي تنزع نحو التطرف في المجتمع لتهذيبها فكريا واستدراجها نحو الاعتدال وقبول الأخر، فحق اللباس مكفول للجميع بالطريقة التي يرونها وحق التواصل وكشف هوية الطرف المقابل أساسية للتعايش وسيادة القانون فوق الجميع فلا نحتاج للتفتيش في اعتقادات الناس لكي ندين فعلا اجراميا او اعتداءا على حرية الأخرين وكل صمت في هذه المواقف هو دعم للعنف وتشجيع له وبالتالي على كل القوى التي تعتبر نفسها ديمقراطية رغم حداثة عهدها بذلك ابراز موقفها بوضوح لأن حيادها في هذه الوضعيات انحياز للعنف أكثر منه مبعثا للتهدئة ، وعلى كل القوى التقدمية و الحداثية القيام بدورها للحفاظ على مكاسب هذا الشعب ودعمها والوقوف ضد كل مؤشرات الارتداد الحضاري مستغلة كل المنابر المتاحة لها من المجلس الوطني التأسيسي الى الجمعيات والمنظمات والأحزاب ووسائل الاعلام الى الميدان في الجامعة والأحياء الشعبية بفتح باب الحوار واسعا أمام الجميع لأنه لا بديل عن الحوار وسيادة القانون .
باختصار
انطلاقة متعثرة للديمقراطية أم بداية قوية لدكتاتورية الأغلبية ؟
محمد المناعي
سلطة جديدة تتشكل على اثر أول انتخابات ديمقراطية ، معارضة تستعد و شعب على هامش المشهد يترقب ، نهم السلطة انطلق قبل اعلان نتائج الانتخابات توزعت المهام و حسم الأمر الذي كنتم من أجله تنتخبون ،انحراف في التعامل مع طبيعة الاستحقاق انطلق بالترويج لبرامج اقتصادية واغفال المهمة الأصلية للمجلس التأسيسي منذ الحملة الانتخابية تواصل هذا الخلط لتطفوا مفاوضات السلط الثلاثة على المشهد والتي تمخضت على سلطة نهضوية بدعم ومباركة من حزام مساند من المؤتمر والتكتل ...
تبدو جميع الأطراف في مرحلة تلمس الممارسة الديمقراطية تطبيقا وخطابا وتعاملا مع الحدث وتعاطيا اعلاميا ، فرئيس حكومة مؤقت في ديمقراطية ناشئة يتحدث عن الاشارات الربانية و الخلافة الراشدة السادسة ويكرر ما قاله زعيم حزبه بالقاهرة ...وقيادات تنفي وأخرى تؤكد من داخل الحزب الواحد ورفض لممثلي تيار العريضة الشعبية من السلطة والمعارضة معا واستهداف لهياكل الاتحاد العام التونسي للشغل مما ينبؤ بتوتر بين مكونات " الحلف الثلاثي" على قاعدة اختلاف المنطلقات الفكرية و اختلاف المشروع المجتمعي ومن ناحية أخرى توتر بين السلطة التي تنتظرها تحديات كبرى ومعارضة تقدمية بالأساس متمرّسة لها التجربة و القدرة على التصدي لأي انحراف عن مكاسب المجتمع و أهداف ثورة الشعب ومعارضة أخرى محتجة عن التهميش يمكن ان يكون لها الدور المؤثر في تيسير عمل المجلس او عرقلته أو التشويش على أعماله .
ان الحياد عن رهانات المرحلة الانتقالية التي تتطلب توافقا حول حلول استعجالية للقضايا العالقة و الاتفاق حول دستور يعبر فعلا عن طموحات التونسي ، يعتبر انزلاقا نحو دكتاتورية الأغلبية حيث عمدت القوى المتفاوضة الى التوافق فيما بينها على اقتسام السلطات دون ان تعرض على الشعب صلاحيات ودور اي منها ودون أن تضبط برنامجا للعمل مع اقصاء واضح لبقية ممثلي الشعب من الأطراف الديمقراطية المشاركة في المجلس الوطني التأسيسي و في الشأن السياسي ومن الاطراف الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني التي تعتبر طرفا اساسيا في البناء الديمقراطي و في توجيه الخيارات الاقتصادية للبلاد واقتصر التعامل على الجانب العددي بقوة الأغلبية وتغييب منطق التوافق و الطبيعة الانتقالية للمرحلة مجلسا وحكومة ورئيسا .
السلطة الناشئة التي أبدت امتعاضها و انتقادها لانطلاقة المعارضة واتهمتها بالعرقلة واتهمت هياكل أكبر منظمة وطنية مناضلة بالاستقراء بالأجنبي أبدت نقص الجدية الذي ترجمته تصريحات رئيس الوزراء المبشّر بالخلافة السادسة والانهماك في طمأنة الجميع دون عرض بدائل لمواضيع شائكة اختلفت الأطراف المتحالفة في تناولها عبر برامجها ولم تطرح موقفها منها ضمن حكومة ثلاثية الأبعاد أحادية التسيير.
ان ما ينتظر السلطة القيام به و ما ينتظر المعارضة الدفع اليه و ما يتوجب على الشعب متابعته والضغط من أجل تحقيقه هو فتح ملفات الفساد السياسي والمالي والإداري وتطهير المؤسسة القضائية والانكباب على معالجة قضية البطالة وحل القضايا المستعجلة وفتح حوارات وطنية موسعة حول اصلاح النظم التربوية والثقافية والإعلامية و الخيارات الاقتصادية ومناقشة منوال التنمية والسياسات العامة للبلاد دون السقوط في التجاذبات الحزبية والتوفيق بين ضرورة التمهيد للشرعية المقبلة ومعالجة المسائل المستعجلة و في ذات الوقت الالتزام بالطابع المؤقت للحكومة الحالية .
ان تخلي بعض الأحزاب عن مبادئها وتنكرها لبرامجها التي انتخبها الشعب على اساسها وارتمائها بين أحضان أكبر كتلة في المجلس والذوبان في برامجها من أجل سلطة منقوصة يهدد مبدأ التوافق الذي تتطلبه المرحلة وينبؤ بدكتاتورية الاغلبية التي تنسج مستقبل تونس على مقاس حساباتها السياسية الضيقة لذلك يبدو دور القوى التقدمية ضمن الأحزاب السياسية والجمعيات و الأطراف النقابية ووسائل الاعلام وصحوة الشعب صمام الأمان وضمان عدم الانتكاس الى دكتاتوريات جديد و أحزاب كرتونية جديدة بدأت تتوضح معالمها
.
من حقك ان تكون سلفيا وليس من حقك فرض سلفيتك علينا
محمد المناعي
كن سلفيا أو شيوعيا ، اسلاميا أو علمانيا أو كن ما شأت لا أحد له السلطة على فكرك وتوجهاتك ومراجعك لا الدولة في شكلها الدكتاتوري و لا في شكلها الديمقراطي ...لا الخلافة ولا الدولة المدنية لها سلطة على ضميرك ومعتقدك و ايديولوجيتك ... لا الأحزاب ولا المجتمع المدني و لا حتى الشعب بأسره بقادر على محاسبتك ان اخترت الاقتداء بسلف صالح أو حتى غير صالح فذلك شأنك وان اخترت الاقتداء بماركس ولينين فذلك أيضا شأنك فكلها زوايا نظر تؤخذ أو تطرح ولا أدل على نسبيتها من أن غيرك لم يأخذ بها ... تشرف بها غيّرها ، تمسك بها أو احتقرها ...لا أحد من حقه التدخل في مشاعرك وخياراتك ... المهم في هذا كله أن لا تجبر غيرك على ما تعتقد أنه صواب لأنه عليك أن تتخيل نفسك في الطرف المقابل والأخر يجبرك على اعتناق قناعاته ويرغمك على ما لا تراه صالحا لك ولقناعاتك ...نحن لا نملك الا ان نتحاور نعرض افكارنا نختبرها أمام بعضنا البعض و أمام أنفسنا ، نتشبث بما صمد منها ونعدل ما بدى شاذا او ضعيف المقاومة أمام حجج الأخرين فيتجلى فكر أقرب للإنسانية أكثر قابلية للتجميع منه للتفرقة والتطرف ...
مئوية أحداث الزلاّج 7نوفمبر 1911 ، لايجب ان ننسى شهداء الحرية
محمد المناعي
ثورة شعب تونس لم تنطلق من فراغ مهد لها أجيال من المناضلين و شهداء الحرية ، 7 نوفمبر هذه السنة هي ذكرى مرور 100 سنة عن أحداث الزلاج التي خاضها ابناء شعبنا دفاعا عن حرمة وطنهم ضد المحتل الفرنسي ...و تضامنا مع الأشقاء الليبين ضد الغزو الايطالي حوكم فيها مناضلين على غرار عبد الجليل الزاوش و استشهد فيها آخرون امثال محمد المنوبي المشهور ب " الجرجار " و أكثر من عشرين تونسيا بعد محاكمة ظالمة أقامها المحتل سنة 1912 ...
هذه الذكرى علينا ترسيخها في اذهاننا و في ذاكرة ابنائنا فهي رمز لدفاع التونسي عن وطنه وعدم انغلاقه على نفسه في اتصال مباشر بهموم الشعوب التي ماثلته في المعانات من الاحتلال ... كما تذكرنا بتواصل نضالي قديم بين التونسي والليبي ...
شهداء الحرية والكرامة لم يسقطوا فقط منذ 17 ديسمبر بل تاريخ نضالي متواصل ومتراكم زرع بذور التحرر مسؤوليتنا جميعا صيانتها ومواصلة المشوار .
تحية الى شهداء الحرية في ذكرى مئوية أحداث الزلاج .
محمد المنوبي الجرجار ، شهيد أحداث الزلاج
أحداث الزلاج 7 نوفمبر 1911
محاكمة المتظاهرين على خلفية احداث الزلاج
محاكمة المناضل عبد الجليل الزاوش
هل أسست الانتخابات لديمقراطية فعلية؟
محمد المناعي
استبشرنا بالثورة واحتفينا بشعاراتها التي كانت منا متماهية مع همومنا وتطلعاتنا ، نادينا بالحرية والكرامة والشغل والقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين ، نادينا باصلاح كل المنظومات المخترقة من السلطة من قضاء وادارة وجباية ...
من صدف الاقدار التي استجابت للشعب في مطالبه ان تكون انتخاباته في تشرين شهر الخصب والبذر وشهر الأمل فكانت كما قيل ناجحة أو كادت ، هب الناس لمكاتب الاقتراع يأتونها من كل فج عميق بعد حملة انتخابية هادئة و حملة غسيل دماغ اشتغلت على مدى ثلاث اسابيع ،كانت خلالها البرامج ومشاريع الدستور أخر ما طالب به المواطن و آخر ما قدمه معظم المترشحين استجابة لإنتظاراته وضربا عرض الحائط بمبادئ الحملات الانتخابية ، عوض البرامج خطاب شعبوي غزلي بسيط تفنن في نظمه البعض وجند لذلك ما أتيح من منابر و مساجد وحلقات دينية واجتماعات في الأسواق ومكبرات صوت و وشوشة في الأذان أجمعت كلها على الدعوة للتصويت " للحق " ولحماة الدين والوطن ليهنأ الشعب من جديد بحامي الحمى والدين ...
حملة لعب المال السياسي فيها دوره في غفلة من كل اللجان ، حافلات و ولائم و دعاية أناء الليل واطراف النهار في المساجد و المقاهي وبين المصطفين للإقتراع و داخل مكاتب الاقتراع و من خلال نوافذها ونوافذ أخرى يعلمها الجميع باستثناء اللجنة .
وأصبحنا على نتائج تشبهنا كثيرا أكثر من نصف الشعب لم يذهب للإنتخاب ، استقالة من المشاركة في الحياة السياسية و صمت طويل وطموحات محدودة في اكل وشرب و مأوى ثم ربما حرية ... قيل ذات شتاء " الشعب يريد اسقاط النظام ، حريات حريات لا رئاسة مدى الحياة ، التشغيل استحقاق ...وغيرها " وحين سألنا الشعب خلال الحملة عما يريد أجاب أغلب الناس " نحبّو يشدّها واحد يخاف ربي ..." ومن خلال لفظة "واحد" ندرك ان فكرة الديمقراطية لم تنضج بعد في ذهن عموم الناس فقد قضينا على واحد ...واذا بالمطلب واحد أخر ..كما أن فكرة دولة القانون لم تتضح بعد لتصبح مطلبا باعتبار ان المطلوب " واحد يخاف ربي " وهو مطلب لا يوحي بضرورة الالتزام بالقانون بقدر ما يوحي بان المطلوب معنوي بعيد عن سيادة القانون .
سألنا الناس : ماذا تريدون من الانتخابات ؟
فجاء الجواب " نحبو نخدمو ، نحبو البلاد تريض ، ما يهمّش شكون يشد الحكم ..." و يبدو من ذلك قطيعة بين مطلب الديمقراطية و مطلب الاصلاح الاقتصادي لم يتبلور الربط بينهما بعد او لم يراد له ان يتبلور ..
خاطبنا الناس ببرنامج ومشروع دستور ومبادئ و أفكار وآمال نحققها جميعا فجاء الجواب : " قداش تعطوني تو نصوتلكم هاو الجماعة يعطو في المساعدات ، هاو الجماعة يعطو في علوش العيد ، هاو الجماعة يخلصو في الفاتورات ..." ففهمنا بدون عناء ان نقص الوعي السياسي لدى الناس الذي تكون سنوات الدكتاتورية والتهميش حافظ عليه المحافظون بل وزادته " الجماعة " تكريسا للوصولية وبيع الذمم و تغييبا لثقافة الديمقراطية .
قيل ليست كل انتخابات تفرز بالضرورة ديمقراطية وقيل ايضا ان الديمقراطية سلوك ومنهج حياة ودربة وتعلّم و بناء وتراكم ...فقد نجحت تونس من حيث الشكل في انجاز انتخابات و ينتضرها رهان النجاح في تكريس المنهج ...وتبديد المخاوف ، تلك المخاوف التي كانت تتمحور حول الخشية من أن يفرز الصندوق تجمعا أو تطرفا فأفرز تشكيلات ماضيها هذا وذاك وحاضرها توبة وخطاب جديد فمن كان يروج لغلق النزل وفرض لباس معين و تطبيق أحكام طواها التاريخ وتورط في العنف و اعترف به بدى معتدلا مدافعا عن المكاسب الحداثية للبلاد في خطابه المعلن وفي الصندوق ايضا تشكيلة أخرى ليست تجمعا بل مشتقة منه في شكل " عرائض " و " مبادرات " مستعملة رصيدها من الموالين السابقين و ماكينة انتخابية خبرها من ركّع البلاد والعباد ربع قرن ، من كان في عصابة بن علي يروّج لبلد الفرح الدائم تبرأ من ماضيه و لبس حلّة برقيبية ملمعة قابلة للترويج والهضم في اذهان الناس ...
وتشكيلة من أحزاب كانت تقدمية ارتمت في احضان اليمين منبئة بحزام كرتوني يحيط بالسلطة الجديدة ، اما مابقي من أطراف ثورية ويسارية وحداثية و قومية تقدمية فقد دخلت المجلس فرادى وازواج في موقف يذكرها دوما بأنها أضاعت فرصة توحّد ثمينة ولم تحيي الثورة فيها سوى نرجسية قديمة وذاتية متضخّمة ...
رجع صدى هذه الانتخابات وهذه النتائج امتحان للديمقراطية عسير وتطمينات حول البديهيات واصوات اصولية تنبعث من هنا وهناك تهدد حرية المراة و الحريات العامة انطلقت من الحرم الجامعي في انتظار الشارع و المجتمع تجهر بالدعوة لأنظمة بدائية و تختبر قدرة المجتمع على ردة الفعل تجاه هذا الترهيب الفكري والمعنوى واحيانا المادي و تختبر قوتها وسندها داخل فئات مهمشة وأغلبية لامبالية .
ان الهدف جلي وواضح أمام كل نفس تقدمي حداثي مستنير ان يقف الجميع ضد كل ارتداد ثقافي او اجتماعي وان يفضح كل ازدواجية في الخطاب و كل تلاعب بمصير الشعب ...لكي لا نطرح السؤال المحرج يوما : هل طالب الشعب فعلا بديمقراطية ؟ ام أقلية مضطهدة نادت بها ؟ هل صوّت الناس من أجل ارساء تعددية أم عوضو حزبا بحزب و فردا بفرد ؟ ثم لماذا لم يصوت نصف الناخبين المفترضين ؟ لمن ستكون اصواتهم ، هل هم راضون عن النتائج ، هل اهتموا بها أصلا ؟
مرة أخرى شهر الخصب أكتوبر انتهى حافل ببشائر الديمقراطية و بموسم زراعي ناجح ،و اذ تحول الاستبشار الى كارثة الفيضان الذي دمر البلاد وروع العباد فان الاستبشار بالديمقراطية والحريات لا يزال قائما و سنقف جميعا شيبا وشباب ، نساءا ورجال سدا منيعا أمام كل مد تدميري رجعي قد يهدد مستقبلنا ومستقبل ابنائنا .
حركة النهضة توزع الهدايا
القطب يشرح برنامجه في المناطق الشعبية